|

مسلسل رشاش غير الخارطة الدرامية 

الكاتب : الحدث 2022-02-04 06:24:34

بين الرفض والقبول وبين الهجوم والإندهاش يحلق أبطال مسلسل رشاش في عالم النجومية في تقديم فن من نوع آخر لم يعتاد عليه الجمهور من ناحية طريقة الطرح في الإخراج والتلوين والصورة والملابس والاداء والفنون القتالية والمطاردات واستخدام السلاح كانت هناك زوايا جديدة على المشاهد إعتادها في الأفلام  الغربية من هوليوود ، العمل مدهش من النواحي الفنية والاخراجية إلى حد الشعور انك تشاهد فيلم سينمائي على مستوى ممتع ، والأجمل انك تتابع العمل بشغف في إنتظار أحداثه القادمة في كل حلقة لما يحمله الإخراج من تشويق وإثارة في العمل ، ومن النظرة الأولى لمختصر العمل تعلم أن الحجم الإنتاجي ضخم جدًا بالمقارنة بالإنتاج المحلي المعتاد وأن هناك انفاق حقيقي على المشروع من الناحية المادية والفنية ، ناهيك عن البناء التكويني لشخصيات العمل والتركيب الغريب والممتع في نفس الوقت الذي أظهر مكنونات الأبطال ورفع مستوى الطاقة الإبداعية على حد سواء في مزيج لم يعتد عليه الفنان في عمل درامي عربي ، تناغم غريب ورهان على النجاح رغم سوء الظروف الراهنة في إنتاج العمل سواء كانت مناخية أو أزمة وباء كورونا أو الحالة النفسية للأبطال لم تكن تلك عثرة في امتاعنا أبدًا .

العمل من إخراج البريطاني كولن تيغ الحاصل على جائزة ايمي ومرشح أيضًا للحصول على جائزة يافتا العالمية ،ومن تأليف توني جوردن وكتابة العمل دراميا الشيخة سهى آل خليفة وريتشارد بيلامي ، ابطال العمل يعقوب الفرحان (رشاش) عزيز غرباوي ونايف الظفيري وفايز بن جريس وفيصل الدوخي وحكيم جمعه وابراهيم الحجاج وايمن المطهر وحسن عسيري وسعيد صالح أسماء غيرت مسار الدراما السعودية لن ننساها أبدًا ينتظرهم مستقبل عظيم ، هذا العمل لم يقدم لنا صورة درامية بقالب جديد فحسب بل وغير موازين العمل الدرامي المطروح في دور السينما بين رفض الجمهور عمل أقل مستوى مما شاهده سابقًا في مسلسل رشاش وبين ما تقدمه بعض شركات الإنتاج الحالية من أعمال دون المستوى وإن صح لي التعبير أنها أعمال هواة يفتقرون إلى أبسط قواعد الفن السينمائي ، العمل مجملًا يتحدث عن شخصية خارجة عن القانون وقاطع طريق ومطلوب أمنيًا في المملكة العربية السعودية مع تغيير في بعض الأحداث لتعطيها النكهة الدرامية التشويقية في صورة سينمائية فريدة كون أن الحقبة التاريخية للأحداث في فترة الثمانينيات لما تحمله الفترة من تفاصيل دقيقة ظهرت في العمل على مستوى عالي جدا ، ومن ناحية الإيقاع في العمل فإن العمل في وتيرة تصاعدية في الإثارة وشد المشاهد لم تفلت أبدًا بل على العكس كان العمل في إيقاعه أشبه بنوتة موسيقية جميلة وممتعة تدهشك في تنقلات الصعود والهبوط في الإيقاع بشكل متقن وفريد نوعًا ما ، وبالمقارنة بانتقالات الأحداث كدراما فكانت متزامنة مع ارتفاع وهبوط الايقاع للحالة الدرامية في المشهد ، وكذلك الصورة السينمائية والألوان مناسبة للأحداث كصورة سينمائية فنية وممتعة أيضًا للمشاهد رغم أن المخرج في المشاهد الداخلية الليلية استخدم الإيطار المظلم مما اضاف للمشهد واقعية أكثر من كونها جمالية .

استغرق تصوير العمل ١٠٣ يوم لتصوير ٨ حلقات وتم الاستعانة ب ١٠٠ سيارة من فترة الثمانينيات الميلادية وتم تفجير  بعضها لما يتطلبه تصوير المشهد في المسلسل ، وتم  الاستعانة ب ٢٤ مؤدي للمشاهد الخطرة من شركة الفا ستون لمالكها كالويان فودينيشاروف بالتعاون مع شركة ميشن و وورد وار زد كشركات دعم فني ولوجستي لتنفيذ المشاهد الخطرة وتركيب المتفجرات خلاف التواجد المكثف لشركات السلامة والكادر الطبي المجهز في حالة حدوث اي اصابات في موقع التصوير .

تم اتخاذ قرار منح شخصية رشاش إلى الفنان يعقوب الفرحان في اليوم الثاني من التصوير لما يملكه هذا الفنان المبدع والمتألق دائمًا من حس عالي جدًا وطاقة رهيبة في تقمص الشخصية وكان قرارا موفقا لما تحمله الشخصية من نواحي نفسية وحس فني عالي قد لا يقبل من فنان آخر سوى يقوب الفرحان كرأي شخصي ، ولا ننسى شخصية (قحص) للفنان المذهل في كل إطلالة ابراهيم حجاج فأتذكر أنني إجتمعت معه في فلم قصير وكنت أرى انه يملك ادوات تميزه عن غيره دفعتني ان اقول رأيي في العمل بكل صراحة وان ابراهيم يملك أكثر مما نتوقع ويمكنه ان يقدم ما هو أفضل من دوره في الفلم  وكان منزعجا جدا من رأيي هذا ، هل رأيت ما رأيته انا في ذلك الوقت بعد عمل بمستوى رشاش ؟ اعتقد انك تملك أكثر من ذلك وانت محط رهان الجميع على نجومية قادمة بقوة لتضع اسمك في صف العمالقة ، ولا شك ان لنصيب الفنان فيصل الدوخي تاج من ذهب فهو فنان من عالم موازي وله طقوسه الخاصة في تكوين شخصيتة الفنية ، وللبقية شكر خاص على مجهودهم الجميل في بقاء العمل في ذاكرتنا الى الأبد وابراز جيل جديد في صناعة الفن العظيم وينتظرهم مستقبل باهر .

نستلهم من هذا العمل ان هناك في الافق البعيد من يعمل جاهدا على وضع بصمة فنية في عمل متكامل في اركانه الأساسية ويعمل جاهدا في ابراز جانب ادارة الممثل واخراج الطاقة المدفونة واكتشاف القوة في الاداء المتفاني للفنان وابراز الجوانب الخفية في ادواته وإمتاعنا في الصناعة البصرية بمؤثراتها وموسيقاها والجانب الدرامي المتقن ، عمل يحمل في خفاياه تحد جديد لصناع السينما الحاليين  ان عالم السينما والدراما اصبح عمل بتخصص وليس عمل لمن ليس له عمل ،الصورة والأداء والموسيقى والإخراج تركيبة ممزوجة بكلمة فنان بكل الزوايا والتكوينات يجب أن تكون بعين فنان صانع وممتهن ذو حس عالي جدًا وأمامه ملف انجازاته الفنية واضافة العمل إلى خبراته واضافة نجاح جديد بالاهتمام بكل التفاصيل والتفاني والتأني في الإنتاج والإخراج وانتقاء الممثلين ، تلك التركيبة العجيبة توصلنا الى المثل القائل (( لو كل من جا ونجر ما ضل بالوادي شجر )).

شكرًا مسلسل رشاش قدمت لنا تحد جديد في عالم الدراما يناسب ذائقتنا العالية ويناسب حجم مخزوننا البصري وجنبتنا من التلوث البصري في عالم السينما من بعض الأعمال الشبه سينمائية لمدعين صناعة السينما المحليين .                       

عارف البحراني 
١/٢/٢٠٢٢